فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الإمام أحمد: كل حديث يروى في باب صلاة الخوف فالعمل به جائز. انتهى.
وقال ابن كثير: صلاة الخوف أنواع كثيرة، فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة، وتارة يكون في غير صوبها، ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة، بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ورجالًا وركبانًا، ولهم أن يمشوا والحالة هذه، ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة، ومن العلماء من قال: يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم، وبه قال أحمد بن حنبل.
قال المنذري: وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد، وإليه ذهب طاوس والضحاك، وقد حكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن نُصَيْر المروزي أنه يرى ردّ الصبح إلى ركعة في الخوف، وإليه ذهب ابن حزم أيضًا، وقال إسحاق بن راهويه: أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة تومئ بها إيماءً، فإن لم تقدر فسجدة واحدة، لأنها ذكر الله، وقال آخرون: يكفي تكبيرة واحدة، فلعله أراد ركعة واحدة، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه، وبه قال جابر بن عبد الله وعبد الله بن عُمَر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدي، ورواه ابن جرير، ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهر في الاجتزاء والسدي بتكبيرة واحدة، كما هو مذهب إسحاق بن راهويه، وإليه ذهب الأمير عبد الوهاب بن بخت المكي حتى قال: فإن لم يقدر على التكبير فلا يتركها في نفسه، يعني بالنية، رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش عن شعيب بن دينار عنه، فالله أعلم، ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة، كما أخر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يوم الأحزاب الظهر والعصر، فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء، وكما قال بعدها، يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش: «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة»، فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق، فقال منهم قائلون: لم يرد منا رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إلا تعجيل المسير، ولم يرد منا تأخير صلاة العصر فصلوها في بني قريظة بعد الغروب، ولم يعنف رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أحدًا من الفريقين، فاحتج في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة، اليهود.
وأما الجمهور فقالوا: هذا كله منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك، وهذا أبين في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشافعيّ رحمه الله وأهل السنن، ولكن يشكل عليه ما حكاه البخاريّ في صحيحه حيث قال (باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو) وقال الأوزاعي: إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماءً، كل امرئ لنفسه، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا، وبه قال مكحول، وقال أنس بن مالك: حضرت عند مناهضة حصن تُستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدوا على الصلاة، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار، فصلينا ونحن مع أبي موسى، ففُتِحَ لنا، وقال أنس: وما يسرني، بتلك الصلاة، الدنيا وما فيها. انتهى.
ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب ثم بحديث أمره إياهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وكأنه كالمختار لذلك، والله أعلم.
ولمن جنح له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبًا، وكان ذلك في إمارة عُمَر بن الخطاب، ولم ينقل أنه أنكر عليهم ولا أحد من الصحابة، والله أعلم، قال هؤلاء: وقد كانت صلاة الخوف مشروعة في الخندق لأن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي، وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد، كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم.
وقال البخاريّ وغيره: كانت ذات الرقاع بعد الخندق، لحديث أبي موسى، وما قدم إلا في خيبر، والله اعلم.
الخامس: استدل بقوله تعالى: {طَائِفَةٌ} على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد، لكن لابد أن تكون التي تحرس تحصل الثقة به في ذلك.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: الطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف، جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد، ثم يصلي الآخر، وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة.
السادس: استدل بالآية على عظم أمر الجماعة بل على ترجيح القول بموجبها، لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلى كل امرئ منفردًا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، أفاده الحافظ ابن حجر في «الفتح».
قال ابن كثير: وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك.
السابع: قال بعض المفسرين: اختلف في المأمور بأخذ السلاح في قوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} فقيل: هم الطائفة الذين يواجهون العدو، وهذا ظاهر، وقيل: بل هم الطائفة المصلون، وأراد ما لا يشغل عن الصلاة من الدرع والخنجر والسيف ونحو ذلك، وقيل: للطائفتين، وهو قول القاسم. انتهى.
قال الناصر في الانتصاف: والظاهر أن المخاطب يأخذ الأسلحة المصلون، إذ من لم يصل إنما أعد للحرس، فالظاهر الاستغناء عن أمرهم بذلك وتنبيههم عليه، وهم إنما أخروا الصلاة لذلك، أما المصلون فيهم في مظنة طرح الأسلحة لأنهم لم يعتادوا حملها في الصلاة، فنبهوا على أنهم لا ينبغي لهم طرح الأسلحة وإن كانوا في الصلاة، لضرورة الخوف وخشية الغرة، وأيضًا فصنيع الآية يعطي ذلك، لأنه قال: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُم مّعَكَ} وعقل ذلك بقوله: {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} فالظاهر رجوع الضمير إليهم، وحيث يعاد إلى غي المصلين يحتاج إلى تكلف في صحة العود إليهم، بدلالة قوة الكلام عليهم، وإن لم يذكروا، وناقش الناصر أيضًا الزمخشريّ في جعله المارد بقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ} غير المصلين، فقال: الظاهر أن معنى السجود هاهنا الصلاة، وقد عبر عنها بالسجود كثيرًا، والمراد: فإذا صلت الطائفة، (أي: أتمت صلاتها) فليكونوا من ورائكم. انتهى.
الثامن: قال أبو عليّ الجرجاني صاحب النظم: وله تعالى: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} يدل على أنه كان يجوز للنبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أن يأتي بصلاة الخوف على جهة يكون بها حاذرًا، غير غافل من كيد العدو، والذي نزل به القرآن في هذا الموضع هو وجه الحذر، لأن العدو يومئذ بذات الرقاع كان مستقبل القبلة، فالمسلمون كانوا مستدبرين القبلة، ومتى استقبلوا القبلة صاروا مستدبرين لعدوهم، فلا جرم، أمروا بأن يصيروا طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة مع النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مستقبل القبلة، وأما حين كان النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بعسفان وببطن نخل، فإنه لم يفرق أصحابه طائفتين، وذلك لأن العدو كان مستدبر القبلة، والمسلمين كانوا مستقبلين لها، فكانوا يرون العدو حال كونهم في الصلاة، فلم يحتاجوا إلى الاحتراس إلا عند السجود، فلا جرم، لما سجد الصف الأول بقي الصف الثاني يحرسونهم، فلما فرغوا من السجود، وقاموا، تأخروا وتقدم الصف الثاني وسجدوا، وكان الصف الأول حال قيامهم يحرسون الصف الثاني، فثبت بما ذكرنا أن قوله تعالى: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} يدل على جواز كل هذه الوجوه، والذي يدل على أن المراد من هذه الآية ما ذكرناه، أنا لو لم نحملها على هذا الوجه لصار تكرارًا محضًا من غير فائدة، ولوقع فعل الرسول بعسفان وببطن نخل على خلاف نص القرآن، وإنه غير جائز، نقله الرازيّ.
وقال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرى في ذلك كله ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة، فهي مع اختلاف صورها متفقة المعنى. انتهى.
وأنواعها مبينة في شروح السنة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}
كأن المؤمن مطالب بألا يسوِّف ويُؤَخِّر الصلاة عن وقتها، وأن يذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، وذلك لتكون الصلاة دائمًا في بؤرة شعور الإنسان، بل إن المؤمن مطالب بذكر الله حتى وهو يسايف عدوه وينازله، فهو يحمل السيف ولسانه رطب بذكر الله ويقول: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
والإنسان حين يسبح الله حتى وهو في حالة الاشتباك مع العدو لا ينساه الله. والمؤمن قد يؤخر الصلاة في حالة الاشتباك مع العدو والالتحام به، ولكن عليه أن يدفع قلبه ونفسه إلى ذكر الله، ففي وقت الصلاة يكون مع ربه فليذكره قائمًا وقاعدًا وفي كل حال، وبعد أن يطمئن المسلم لموقفه القتالي فليقض الصلاة. وأنه لا يترك ربه أبدًا بل وهو في الحرب يكون ذلك منه أولى؛ لأنه في حالة الاحتياج إليه سبحانه، والقتال يدفع المؤمن إلى الاستعانة بربه، وإذا كان المسلم يعرف أن لله في أوقاته تجليات، فلا يحرمن واحد نفسه من هذه التجليات في أي وقت، وذكر الله يقرِّب العبد من مولاه- فسبحانه- مع عبده إذا ذكره، فإن كان الإنسان مشبعًا بالاطمئنان وقت الخوف والقتال فليذكر الله ليدعم موقفه بالقوة العليا.
وقوله الحق: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي إذا انتهى الاشتباك القتالي فعلى المؤمن أن ينتقل من ذكر الله أثناء الاشتباك إلى الصلاة التي حان ميقاتها أثناء القتال. فقد كان ذكر الله وقت الاشتباك من أجل ألا يضيع وقت الصلاة بلا كرامة لهذا الوقت، وبلا كرامة للقاء العبد مع الرب. ولماذا كل ذلك؟ ويأتي القول الفصل: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.
وقد أوضح لنا الحق صلاة الخوف، وشرع سبحانه لنا ذكره إذا ما جاء وقت الصلاة في أثناء الاشتباك القتالي، وإذا ما اتفق توقيته مع وقت الصلاة، وشرحت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم كيفية قصر الصلاة في أثناء السفر، لماذا كل ذلك؟ لأن الصلاة فرض لا غنى عنه على الإطلاق {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}. أي أن الصلاة لها وقت.
ولا يصح أن يفهم أحد هذا المعنى- كما يفهمه البعض- بأن صلاة الظهر- على سبيل المثال- وقتها ممتد من الظهر إلى العصر، وصحيح أن الإنسان إذا عاش حتى يصلي الظهر قبيل العصر فإنها تسقط عنه، ولكن ماذا يحدث لو مات العبد وقد فات عليه وقت يسعها؟ إذن فقد أثم العبد، ومن يضمن حياته حتى يؤدي الصلاة مؤجلة عن موعد أدائها؟.
وقد يقول قائل: أحيانًا أسمع أذان الصلاة وأكون في عمل لا أستطيع أن أتركه؛ فقد أكون في إجراء جراحة.
أو راكبًا طائرة. ونقول: أسألك بالله إذا كنت في هذا العمل الذي تتخيل أنك غير قادر على تركه وأردت أن تقضي حاجة، فماذا تصنع؟ إنك تذهب لقضاء حاجتك، فلماذا استقطعت جزءًا من وقتك من أجل أن تقضي حاجتك؟ وقد تجد قومًا كافرين يسهلون لك سؤالك عن دورة المياه لتقضي حاجتك.
وساعة يراك هؤلاء وأنت تصلي فأنت ترى على وجوههم سمة الاستبشار؛ لأن فيهم العبودية الفطرية لله، وتجد منهم من يسهل ذلك ويحضر لك مُلاءة لتصلي فوقها، ويقف في ارتعاش سببه العبودية الفطرية لله، فلا تقل أبدًا: إن الوقت لا يتسع للصلاة؛ لأن الله لا يكلف أبدًا عبده شيئا ليس في سعته، والحق كلف العبد بالصلاة ومعها الوقت الذي يسعها.
ولله المثل الأعلى، نحن نرى رئيس العمال في موقع ما يوزع العمل على عماله بما يسع وقت كل منهم، فما بالنا بالرب الخالق، ولذلك يقول الحق: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2- 3]
والصلاة رزق عبودي يحررك من أي خوف، وفضلها لا حدود له لأن فارضها هو الخالق المربي، فكيف تبخل على نفسك أن تكون موصولا بربك؟. اهـ.